مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين ، لعل عملية التدريس تمثل العمل العلمي الفني حيث يستند إلى علوم متخصصة مختلفة لعل من أبرزها علم النفس بجميع فروعه فأغلب الدراسات القائمة في علم النفس وفروعه تهتم وتدخل ضمن نطاق التدريس ، وهذه الأسس لا يستغني عنها المعلم بأي حال من الأحوال ، حيث تساعده وتمكنه من مهنة التدريس الموكلة إليه بدرجة كبيرة . إن الطفولة هي صانعة المستقبل ، لذا فإن من واجب الأجيال العاملة أن توفر لها كل ما يمكن لها من تحمل المسؤولية بنجاح …. فالعناية بالثروة البشرية المتمثلة في الأجيال الصاعدة تؤكد لنا أهمية العناية بالعملية التربوية .

لقد اتسمت حضارة القرن العشرين بالاهتمام المباشر بتنشئة الأجيال الصاعدة فقد شهد هذا القرن أكبر تغير ثقافي حدث في العالم في جميع عصوره ، وهو الاهتمام بالتعليم وإتاحته للجميع .

فالتطور الذي حصل على المدى البعيد نجده بدأ بنظريات مختلفة ومع التطور نجد هذه النظريات قد تغيرت فهدف المدرسة لم يعد يقتصر على الحشو للأذهان بالمعلومات وفرضها بصورة لا تتفق مع مطالب نمو التلاميذ . بل أصبح ينظر إليها على أنها مؤسسة تضطلع بتهيئة مناخ تربوي سليم يضمن تحقيق جوانب النمو الشامل للناشئة . وليس الاهتمام بدراسة الطفولة أمراً جديداً في كُتب العلماء والباحثين . وهذا يبدو واضحاً في كُتب متعددة من عهد أفلاطون ، وهذا واضحاً في كتابات هؤلاء العلماء التي منها اهتمامهم بطرق الوقاية والعلاج ، واهتمامهم بشخصية الطفل وحركته وانفعاله وعقله وغير ذلك . ونحن نسعى من خلال هذا الجهد البسيط أن نــــــوضــــــــح خصائـــص النمو للطفــــل من سن ( 6 – 9 ) ، وهذا يوضح لنا نمو السلوك البشري في هذه المرحلة. فهذه الدراسات الخاصة بالنمو مهمة كما ذكرنا لعملية التربية والتدريس فالأب بحاجة إليها وكذلك المعلم ، ونحن في هذه الورقات نسعى للتعريف بمرحلة الطفولة المتوسطة التي تبدأ مع الطالب دراسياً من الصف الأول وحتى الصف الثالث تقريباً .

 

مراحل النمو

 

في البداية لابد أن نتعرف على مراحل النمو للإنسان ، ونحن نجد هناك اختلاف بين العلماء في عملية تقسيم مراحل النمو إلى مراحل معينة ذلك لأنها ليست عملية سهلة بل إنها مهمة عسيرة ، ويصعب تمييز نهاية كل وكذلك بدايتها بين التقاسيم المعروفة ، وهذا الاختلاف في التقسيم عادة ما يكون بسبب عدم وجود مقاييس معينة . لذا لا يمكننا أن نقطع بأي تقسيم بأنهً هو الأدق ، ولكن نجد نحن أن الذي يفيد في مختلف مراحل ونواحي الحياة العملية هو الذي نرى ترجيحه على غيره ونراهُ أنهُ أنفع التقسيمات المختلفة وهو التقسيم التالي

 

المرحلة الأولى

ما قبل الميلاد

المرحلة الثانية

الطفولة المبكرة وتشمل سني المهد والطفولة المبكرة

المرحلة الثالثة

الطفولة المتأخرة وتشمل الطفولة الوسطى والمتأخرة

المرحلة الرابعة

المراهقة

المرحلة الخامسة

الشباب

المرحلة السادسة

الرشد

المرحلة السابعة

الشيخوخة

وهذا التقسيم كما ذكرنا ليس قاطعاً ، ونحن هنا يهمنا فقط مرحلة الطفولة وخاصة مرحلة الطفولة الوسطى التي تكون فترة الدراسة للمرحلة الابتدائية وخاصة الصفوف الأولية من التعليم الابتدائي .

والمرحلة الثالثة لمراحل النمو تنقسم إلى قسمين ، طفولة متوسطة وطفولة متأخرة ، وما يهمنا نحن الطفولة المتوسطة فقط وهو ما سنتناوله .

مرحلة الطفولة المتوسطة ( 6 – 9 ) :-

مفهومها :- ( علم النفس التطوري – سامي عريفج –ص91 )

هي فترة من النمو الهادئ تتوسط النمو السريع المميز لمرحلة بداية الدراسة الابتدائية وبداية مرحلة المراهقة ، وهذه المرحلة تبدأ من سن 6-9 سنوات حيث نجدها تقابل الصفوف الدنيا للمرحلة الابتدائية .

النمو الجسمي :-

( خصائص نمو التلاميذ في الصفوف الأولية – نشرة من وزارة المعارف - ص 1)

 

تتصف هذه المرحلة من النمو بالنمو الجسمي البطيء المستمر ، وتكون التغيرات النمائية في جملتها تغير في النسب الجسمية أكثر منها في زيادة الحجم ، فيزداد طول الجسم في هذه المرحلة بنسبة ( 25%) عنه في السنة الثانية ، ويزداد طول الأطراف حوالي ( 50% ) عنها في الفترة المشار إليها ، ويصاحب ذلك زيادة في الوزن ويصل حجم رأس الطفل إلى حجم رأس الإنسان الراشد ، وتظهر الأسنان الدائمة لدى الطفل بديلاً عن الأسنان اللبنية ، ويطرد النمو الفسيولوجي في استمرار وهدوء حيث يتزايد ضغط الدم ويتناقص معدل النبض ويزيد طول وسمك الألياف العصبية وعدد الوصلات بينها ويكون معدل فترة النوم للطفل حوالي 11 ساعة يومياً وتكون لدى الطفل القدرة على تحمل مسؤوليات الصحة الشخصية .

 

النمو الحركي :-

( التوجيه والإرشاد الطلابي – محمد قاري السيد – ص 287 بتصرف )

 

نجد أن الأطفال الذكور يتميزون في المهارات التي تشتمل على العضلات الغليظة مثل لعب الكرة والجري وقفز الحواجز ، ويلاحظ أن الطفل الذي يكون نموه الحركي في هذه المرحلة أقل من غيره من زملائه فإنه يشعر بالعجز والضعف وقد ينسحب من الجماعة التي ينتمي إليها .

ومع دخول الطفل للمدرسة تجده وصل إلى نمو واضح في المهارات كمهارة مساعدة الذات كالأكل والشرب واللبس والاستحمام . وفي المدرسة تنمو لدى الطفل مهارات مطلوبة كالقراءة والرسم والكتابة ، أما الأعمال المنزلية كترتيب الحجرة الخاصة به أو سرير نومه فإن الطفل يجد السعادة فيها لأنها تعطيه شعوراً بأهمية الذات .

النمو الاجتماعي :-

نجد أن الطفل في هذه المرحلة يحتك بوسط الكبار ، فالولد يتتبع بشغف ما يجري في وسط الرجال فهو يبدي استعداداً كبيراً لقبول آراء والده وأخوته الاجتماعية ويتعصب لآرائه ، وتجده يشعر بفرديته وتقدير فردية الطفل هام جداً ، إذا من الضروري أن ينال الطفل التقدير في المنزل وفي المدرسة وغالباً ما نجد الأطفال المهملون يتجهون إلى سلوك شاذ كضرب الآخرين من زملائه أو السرقة أو غير ذلك . لذا يجب أن نشعر الطفل بفرديته في الملكية وفي التعبير عن آرائه وفي إعطائه بعض المسؤوليات البسيطة .

 

في هذه المرحلة نلاحظ ما يلي :-

1)- تقل حدة الانفعالات في هذه المرحلة وتزداد سيطرة الطفل عليها فيستطيع ضبطها أو كبتها ، وهذا يجعله أكثر تكيفاً للظروف .

2)- الطفل أقل اعتماداً على والديه ، فهو يشعر بالأمن نتيجة زيادة معارفه ونمو مهاراته على تحقيق حاجاته .

3)- وهو أكثر عداء للكبار وخصوصاً بعد سن السابعة حينما تغلب عليه قلة الثقة بالكبار ، لذلك تجد الشقاوة في هذه المرحلة وهي نوع من التمرد على استبداد الكبار .

النمو الحسي :- ( علم النفس التطوري – سامي عريفج – ص 94 )

ينمو الإدارك الحسي عند الطفل في هذه المرحلة أكثر مما كان عليه في الطفولة المبكرة ، ويكتسب عن طريق حواسه معلوماته عن العالم الخارجي الذي يحيط به فيرى ، ويسمع ، ويتذوق ، ويلمس الأشياء .

وتكون حاسة اللمس قوية عند الطفل ونمو هذه الحاسة من أبرز مظاهر النمو الحسي في هذه المرحلة ، لذا يلاحظ شغف الطفل بلمس الأشياء وتفحصها ، بينما نجد سمعه غير ناضج ، والبصر ضعيفاً فبصره في هذه المرحلة يتصف بطول النظر فيرى الأشياء البعيدة والكبيرة بينما الأشياء الصغيرة يجد صعوبة فيها . الطفل تجده يعاني من صعوبة القراءة من الكتاب لذا تجده يشكو الإصابة بالصداع نتيجة للجهد الذي يبذله في رؤية الكلمات الصغيرة .

ويستطيع الطفل تمييز الحروف الهجائية وتقليد كتابتها غير أنهُ يخلط في بداية الأمر بين الحروف المتشابهة ( ب ، ت ، ث ) مثلاً .

وتزداد قدرة الطفل على إدراك الأعداد فيتعلم العمليات الحسابية الأساسـية ( الجمع ثم الطرح في سن السادسة ثم الضرب في سن السابعة ثم القسمة في سن الثامنة ) . وتزداد قدرة الطفل على إدراك المسافات ، لذلك يقل تعرضه للسقوط عن الحواجز ، والأدراج عما كان عليه في المرحلة السابقة . ويدرك الطفل الألوان والزمن .

 

النمو الانفعالي والوجداني : -

( التوجيه والإرشاد الطلابي – مرجع سابق – ص 282 )

يدرك الطفل أن تعبيراته الانفعالية التي كان يعبر بها في المرحلة السابقة لا تناسب نموه في هذه المرحلة ، حيث يميل إلى التعبيرات السارة من خلال القفز والضحك العالي ويعبر عن عدم سروره بالتقطيب والعبوس ويقل لجوءه إلى البكاء .

ومن أهم الانفعالات التي يعبر بها الطفل في هذه المرحلة :-

  1. القلق : وخصوصاً ما يتعلق بحياته الجديدة في المدرسة وبحالته الصحية فهو يقلق إذا تأخر عن المدرسة وإذا قرب موعد الاختبار ويقلق من توقع الفشل خوفاً من تقييم الوالدين والأقران .

  2. الغيرة : في هذه المرحلة ينقل غيرته من إخوانه إلى المدرسة فهو يغار من زميله المتفوق دراسياً ورياضياً .

  3. الخوف : تسيطر على الطفل مخاوف من الأشياء غير المحسوسة حيث نجده في المدرسة يحاول أن يبدي مظاهر الشجاعة أمام زملائه رغم خوفه الشديد وخصوصاً عندما يدخل مع زملائه في لعبة تحدى وذلك خوفاً من السخرية والانتقاد .

  4. الشعور بالسرور وحب الاستطلاع : صحيح أن الطفل تجاوز مرحلة الأسئلة الملحة والمتكررة التي كان يمارسها في المرحلة السابقة وذلك نتيجة لاتساع خبراته إلا أنه لا يزال يملك حب الاستطلاع لمعرفة أية خبرة جديدة عليه ، وعند قدرته على القراءة في هذه المرحلة فإنه يتخذها مصدراً لمعلوماته ، كما يميل فيها إلى المرح والسعادة والضحك وتذوق النكتة .

 

إن مهمات النمو في هذه المرحلة هي :-

( علم النفس التطوري – مرجع سابق – ص 94 )

1)- تعلم المهارات الجسدية اللازمة للألعاب العادية .

2)- بناء مواقف صحيحة تجاه الذات وتعزيز ذلك بالعبارات التشجيعية والهدايا ، " وهذا يقع على عاتق الوالدين أولاً ، فهما مسؤولان عن نمو شخصية الطفل وعن عملية تنشئته اجتماعياً ، وهما اللذان يتوليان مسؤولية التربية قبل سن المدرسة وحتى بعد دخول المدرسة فالطفل يتردد بين المدرسة والبيت ، لذا نجد أن الوالدان قد يكونان سبباً من أسباب بعض المشكلات " (التوجيه والإرشاد النفسي – د/حامد زهران – 479 ) .

3)- تعلم التعايش مع الرفاق ، في المدرسة والحارة والأقارب .

4)- تنمية المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب للأعداد .

5)- تنمية الضمير الأخلاقي وتنمية معايير القيم التي يجب على الطفل تعلمها من المدرسة والبيت .

ويلاحظ أن المهمات الخاصة بهذه المرحلة تواجه الطفل حينما يكون في المنزل وحينما يكون في المدرسة وتحت إشرافها ، مما يوجب على المربين من معلمين وآباء مسؤولية مساعدة الطفل في حل هذه المشكلات الهامة لنموه .

 

واجب المربين في تحقيق المهمات النمائية :-

(1)- من واجب الآباء الاهتمام بغذاء الطفل الذي يساعده على النمو السليم وتعويده على العادات الصحية وأصول النظافة الجسمية .

(2)- من واجب الآباء والمعلمين عدم تكليف الطفل باستخدام عضلاته الدقيقة في وقت غير مناسب من العمر ، فمثلاً لا يجوز إجبار الطفل على الكتابة بيده اليمنى إذا كان يكتب بيده اليسرى ، حتى لا يؤدي ذلك إلى اضطراب نفسي عنده في المستقبل .

(3)- ومن واجب المعلمين تنظيم ألعابٍ للأطفال الذين يظهرون شيئاً من التكاسل وثقل الحركة .

( 4 ) – على الآباء والمعلمين غرس الثقة في نفس الطفل وتقبل ذاته .

( 5 ) – من واجب الآباء والمعلمين تعليم الطفل أصول الأخذ والعطاء التي تقوم عليها الحياة الاجتماعية بين رفاق السن ، وتعلم تكوين الأصدقاء والتعامل مع الأعداء .

( 6 ) – أن يختار المربون الموضوعات التي تدرس للأطفال أو التي يكلفون بحفظها بحيث تكون ذات معنى حتى يمكنهم فهمها وحفظها .

( 7 ) – الاعتماد في التدريس على حواس الطفل والاستعانة بالوسائل السمعية والبصرية على نطاق واسع وأن تكون كتب القراءة مصورة وذات خط كبير ملون .

( 9 ) – استغلال التخيل في هذه المرحلة بتوجيه الطفل نحو مجالات النشاط الفني واليدوي كالرسم والتلوين وأعمال الصلصال والرمل …….. الخ .

( 10 ) – تعليم الفضائل عن طريق القدوة والتطبيق العملي من جانب الآباء والمعلمين وليس عن طريق النصح والإرشاد اللذين ينطويان على المعاني المجردة .

( 11 ) – إشباع حاجات الطفل الاجتماعية كاللعب الجماعي والميل إلى الآخرين وتكوين الجمعيات الطلابية وتكوين اتجاهات سليمة لديه كالتسامح ، واحترام حقوق الآخرين ، والتعاون الاجتماعي .

( 12 ) – تقُّبل الطفل وإشعاره بالراحة والأمن ، حتى يستطيع أن يعبر عن انفعالاته تعبيراً صحيحاً والنظر إلى الاضطرابات السلوكية عند الأطفال على أنها أعراض لحاجات يجب إشباعها .

 

 

 

 

إعداد وتنفيذ

المرشد الطلابي بمدرسة الخالدية الابتدائية

صالح بن عبدالعزيز العبداللطيف

 

 

العودة للصفحة الرئيسية